الثلاثاء، 2 ديسمبر 2014



 

 

 

الإشاعة... مفهومها، أهدافها، أنواعها، مصادرها

 

إعداد الباحث: عبدالعزيز بن سعيد الخياط

مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية

 

ورقة علمية مقدمة إلى المؤتمر الدولي للإعلام والإشاعة:

المخاطر المجتمعية وسبل المواجهة


3-5 صفر 1436هـ  - الموافق 25-27 نوفمبر 2014م
قسم الإعلام والاتصال - كلية العلوم الإنسانية

جامعة الملك خالد - أبها
المملكة العربية السعودية

 
 

 

1.   مقدمة

أفاد المؤرخون أن الشائعات موجودة مع ظهور النشاط البشري في الأرض، حيث تطورت وتنوعت مع مختلف الثقافات التي وجدت بها، ومثال ذلك الأساطير التي تنتقل من جيل لآخر.

وتعتبر الشائعات من مظاهر الحروب النفسية التي تم استخدامها في الماضي، وكذلك في الحاضر؛ بهدف إشغال الأعداء عن المشاكل الحقيقة والاهتمام بالمشاكل المفتعلة.   

وفي التاريخ الإسلامي أورد القرآن الكريم - وكدليل على خطورة للشائعات – أمثلة عديدة للشائعات، مثل حادثة الإفك التي حصلت لأم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها، وإشاعة وفاة رسول الله عليه الصلاة والسلام في غزوة أحد.

وفي العهد القريب وأثناء الغزو العراقي الغاشم على دولة الكويت الشقيقة وكخطوة محمودة للإعلام السعودي، بثت القناة الأولى عدة إعلانات توضح خطورة الإشاعات خلال تلك الفترة الحرجة التي تمر بها منطقة الخليج العربي، مما أسهم في تهدئة الوضع الأمني في المجتمع.

أما في هذه عهدنا الحالي فنلاحظ سرعة انتشار الشائعات في وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية، مما يؤكد مرة أخرى على خطورتها، وضرورة التعامل العلمي معها.

وفي هذه الورقة العلمية سنتناول توضيح مفهوم الإشاعة، وأهدافها، وأنواعها، ومصادرها.

 

2.   مفهوم الإشاعة

2.1 الإشاعة في اللغة (نوفل، أحمد، 1987م، 17):  

جاء في اللسان تحت مادة «شيع».

«شيعت فلانًا اتبعته.. وشايعه: تابعه وقواه. ويقال: شاعاك الخير: أي لا فارقك. ومنه تشييع النار بإلقاء الحطب عليها. وشيعه: خرج معه عند رحيله؛ ليودعه.

وتشيع في الشيء: استهلك في هواه. والشيوع: ما أوقد به النار. يقال شيع الرجل بالنار: أحرقه. والمشيع: العجول. والشياع: صوت قصبة الراعي وشبابته.

وأشاع بالإبل وشايع بها وشايعها مشايعة: أهاب بمعنى صاح ودعا.

وشاع الشيب: انتشر. وشاع الخبر: ذاع. وأشاع ذكر الشيء: أطاره. أشعت المال: فرقته.

والشاعة: الأخبار المنتشرة. ورجل مشياع: أي مذياع لا يكتم سرًا. وشاع الصدع في الزجاجة: استطار». اهـ.

وقال الراغب الأصفهاني في المفردات: شيع: الشياع: الانتشار والتقوية. يقال: شاع الخبر أي كثر وقوي. وشاع القوم: انتشروا وكثروا. وشيعت النار بالحطب: قويتها. والشيعة: من يتقوى بهم الإنسان وينتشرون عنه، ومنه قيل للشجاع مشيع. يقال وشيع وأشياع. قال تعالى: (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيم). (هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّه) (وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا) (فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ) (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ).

وفي معجم مقاييس اللغة نلاحظ أن المادة «شع» أيضًا تأتي بمعنى قريب من معنى مادة شيع فهي بمعنى:

تفرق وانتشر ومن ذلك شعاع الشمس. والشعاع – بالفتح – الدم المتفرق.

والمعنى المشترك البارز بين هذه المعاني اللغوية لمادة شيع هو الانتشار والتكاثر.

2.2 الإشاعة في الاصطلاح:

يقول لوبورت، الإشاعة هي: (كل قضية أو عبارة مقدمة للتصديق، تتناقل من شخص إلى آخر، دون أن تكون لها معايير أكيدة للصدق)، وعرفتها مجلة الفكر العسكري بأنها: (بث خبر من مصدر ما في ظرف معين ولهدف ما يبغيه المصدر دون على الآخرين، أو هي الأحاديث والأقوال والأخبار التي يتناقلها الناس والقصص التي يروونها دون التحقق من صحتها أو التثبت من صدقها). (الحارثي، ساعد، 2001م).

ويمكن تعريف الإشاعة بأنها: (ضغط اجتماعي مجهول المصدر، يحيطه الغموض والإبهام، وتحظى من قطاعات عريضة بالاهتمام ويتداولها الناس لا بهدف نقل المعلومات، وإنما بهدف التحريض والإثارة وبلبلة الأفكار). وقد تعددت التعاريف حول معنى الإشاعة، حيث يرى البعض أن الإشاعة هي: (ترويج لخبر مختلق لا أساس له من الواقع، وهي تعتمد في ذلك على المبالغة والتهويل أو التشويه حيت تسرد خبر فيه جانب ضئيل من الحقيقة، وذلك بهدف التأثير النفسي في الرأي العام المحلي أو الرأي العام الإقليمي؛ لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو عسكرية على نطاق دولة أو عدة دول أو على النطاق الدولي بأجمعه). ويرى البعض الآخر أن الإشاعة هي: (فكرة يعمل رجل الدعاية على أن يؤمن بها الناس، فهو يعمل على نقلها من شخص لآخر حتى يذيع مضمونها بين الجماهير). أو هي: (معلومة لا يتم التحقق من صحتها ولا من مصدرها، وتنتشر عن طريق التنقل الشفهي). كما يمكن تعريف الإشاعة بأنها: (رواية تتناقلها الأفواه دون التركيز على مصدر يؤكد صحتها). (عبدالله، معتز، 1997م)

والإشاعة أيضاً هي: (عبارة عن نشر خبر ما بصورة غير منتظمة، وبدون التحقق من صحته. والإشاعة تقوم بنشر الخبر بطريقة شبه سرية، ولا تُذكر مصادره، وكثيراً ما تنشر أخباراً وهمية، وقد تكون حقيقية، ولكنها تلبسها كثيراً من التحريف والتحوير الذي يشوه الحدث الأصلي). وهي تعتمد بالأساس على الاتصال الفردي لشيوعها ولسريانها، وهذه الظاهرة الاجتماعية القديمة قامت بوظيفة الإعلام في فترة زمنية طويلة من حياة المجتمع البشري قبل ظهور الإعلام بمفهومه المعاصر. وللإشاعة تعريفات عديدة ولعل أشهرها تعريف ألبورت وبوستمان، فنجد أنه يعرفها كالآتي: (كل قضية أو عبارة أو موضوعية مقدمة للتصديق تتناقل من شخص إلى شخص عادة بالكلمة المنطوقة) (الحربي، هباس، 2013م،80-81).  

 

3.   أهداف الإشاعة

من أهم أهــداف الإشاعة التي تسعى لتحقيقها (طنطاوي، محمد، 2001م) ما يلي:

1ـ تكمن خطورة الإشاعات في أنها تساعد على نشر الخصومة والبغضاء بين أفراد المجتمع تمهيداً لتدمير استقراره النفسي من خلال نشر الفتن وتفكك وحدة المجتمع بحيث يصبح ممزقاً وشعباً تضعف معنوياته.

2ـ العمل على تدمير القوى المعنوية لدى "الخصم" وبث الفرقة والشقاق والإرهاب والرعب، وتستعمل الإشاعة كستارة "دخان" لإخفاء الحقيقة، كما يمكن استخدامها كطعم لاصطياد المعلومات والحط من شأن مصادر الخصم.

3ـ تلعب الإشاعة دوراً فاعلاً وخطيراً في أوقات الحروب؛ لأنها تثير عواطف الجماهير

وتعمل على بلبلة الأفكار، ولها دور هام في الدعاية السوداء.

4- تعتبر الإشاعة وسيلة فاعلة ومؤثرة من وسائل الدعاية، ويعتقد الكثيرون من خبراء علم النفس والاجتماع أن للإشاعة تأثيراً يعادل تأثير الإذاعة والصحافة. ويمكن استخدامها إيجابياً لتقوية موقف من ينشرها أو لكسب الأصدقاء، والإشاعة من الناحية السلبية تحدث نوعاً من القطيعة بين الجماهير وحكوماتهم، وتجعلهم يشكون في عدالة قضيتهم، وخاصة حينما تؤثر الإشاعة في توجههم.

ومن أهداف الإشاعة التي يسعى ورائها مروجوها قياس الرأي العام؛ وذلك لمعرفة ميوله تجاه قرار ما تتخذه الدولة، ويكون ذلك بتسريب خبر إيجابي هو في الأصل إشاعة تلمح إلى ذلك القرار، ومن ثم يُرصد الأصل رد الفعل تجاهه، أو قد يكون الهدف صرف نظر الرأي العام عن أمر من الأمور، أو صرف نقابات العمال مثلاً عن المطالبة بزيادة الأجور على سبيل المثال، وذلك ببث إشاعات عن شروط خدمة جديدة تعود بالفائدة على العمال، أو عن تحسين شروط العمل، أو زيادات في الرواتب، أو في أجر ساعات العمل الإضافي، أو قد تهدف الإشاعة إلى لفت النظر إلى أمر من الأمور، مثل ما حققته الدولة من إنجازات لموظفيها لكنها لم تجذب الانتباه، أو الحديث عن تنمية قطاع مهني، أو إقليم من أقاليم البلاد. (الحارثي، مرجع سابق).

كما تتنوع أهداف الشائعة تماشياً مع مقصد مثيروها، فمنها ما هو ربحي (مادي) كما حصل في عام 2009م في السعودية، عندما تفجرت إشاعة مدوية باحتواء مكائن الخياطة (سنجر) على مادة الزئبق الأحمر، مما أدى إلى وصول أسعار هذه الخُرد إلى مئات الآلاف من الريالات. ومن الإشاعات أيضاً ما يكون غرضه أهداف سياسية وعادةً ما تحصل هذه الإشاعات في الحروب أو في الحالات الأمنية غير الاعتيادية، وتهدف هذه الاشاعات إلى تسبيب ربكة في الطرف المعني بالإشاعة. أيضاً اللعب واللهو هو من أهداف مُثيري الشائعات، والشائعات التي تقوم على هذا المبدأ عادةً ما تحوم حول المشاهير كوفاة لاعب أو تعاقد نادي مع لاعب أو مدرب مشهور، وغيرها من الأهداف.

 

4.   أنواع الإشاعة

لقي علماء النفس صعوبة شديدة في حصر أنواع الإشاعات؛ لاختلاف آثارها ودوافعها والبيئات التي تظهر فيها. ويمكن تقسيم الشائعات حسب موضوعها أو دوافعها ونواياها أو حسب سرعتها وزمان انتشارها. (نوفل، أحمد، مرجع سابق، 78)

 وقد صنف علماء النفس الشائعات لأربعة أصناف رئيسة وهي:

 

 

أ‌-       شائعات الخوف:

تهدف إلى إثارة القلق والرعب في نفوس السكان، وهذا النوع من الشائعات يعتبر نوعاً مروعاً، ويتحدث عن الكوارث الطبيعية والحروب والأسعار، وقد تتناول أشخاصاً مشهورين، وإشاعات الحرب يمكن تقسيمها إلى ثلاثة فئات: الإشاعة الراغبة، إشاعة الخوف، إشاعات معبرة.

ب‌- شائعات الأمل:

تتضمن هذا الشائعات أماني وأحلام وتطلعات بأن تكون حقيقة، ونجد أن مروجيها يتمنون أن تكون حقيقة، مثل صدور أمر بزيادة الرواتب، أو أمر بإقالة وزير ما.

ج- شائعات الكراهية:

تهدف إلى زرع جذور الفتنة كأن تطلق شائعة لإحداث عداوة بين                               شعبين أو طائفتين أو مذهبين، من أجل شرخ الوحدة الوطنية وتحطيم المعنويات، وينفذ هذا النوع من الشائعات – عادة – عملاء العدو وجواسيسه والطابور الخامس.

د- الشائعات الوهمية:

وهي التي تعبر عن خوف وليس عن رغبة، مثل نشر أعداد ضخمة عن القتلى والجرحى في الحروب.

وتصنف الشائعات حسب سرعة سريانها إلى عدة أنواع (روكيت، ميشال، 1994م)، هي:

أ‌-       الشائعات الحابية:

تنتشر ببطء شديد ويتسع نطاقها حتى تصل إلى جميع الأفراد في جو من السرية، وفي ضوء من خصائص عصر المعلوماتية فإن هذه الشائعة يمكن أن تقتصر على المجتمعات المنغلقة والصغيرة، التي تعتمد في نقلها للأخبار والمعلومات على الأفراد دون أن توفر لها وسائل الاتصالات المتقدمة، كما يمكن أن توجد في المجتمعات التي لا تتمتع بالانفتاح، والتي لا يثق بها الأفراد في سرية وخصوصية وسائل الاتصال.

ب‌-  الشائعات المندفعة:

هي الشائعة التي تنتشر بسرعة مذهلة حتى تغطي المجتمع المستهدف أو الفئة المطلوبة من رواء ترويج تلك الشائعة في وقت قياسي، وتعتمد على أهمية الموضوع الذي تتناوله، كما يمكن استخدام وسائل الاتصالات المتقدمة للإسراع من انتشارها، مثل شائعات الحوادث والجريمة والانتصار في الحروب.

ج- الشائعة الغاطسة:

هي الشائعة التي تنتشر في فترة معينة ثم تختفي وتعود الظهور في فترة أخرى، وهذه الشائعة يمكن التحكم فيها بالظهور أو الاختفاء من خلال التحكم بالمعلومات حول موضوع الشائعة، ومن ثم بأن التذكير ببعض الشائعات والتلميح بها قد يؤدي إلى رواجها في أوقات معينة؛ لتحقيق أهداف محدودة مثل: ترديد بعض المعلومات حول تجمعات سياسية أو مسؤول سياسي، وقد تستخدم في الصراع بين الشركات الصناعية وحول منتجات تلك الشركات، ثم اختفائها، فإذا زاد التنافس في فترة لاحقة يتم ترديد المعلومات عن تلك الأشياء وإيقاظها مرة أخرى.

ويمكن تقسيم الشائعات من حيث مصادرها إلى عدة أقسام (القحطاني، محمد، 1997م) هي:

أ‌-       الشائعات القومية:

وهي الشائعات التي تدور حول القضايا القومية العامة والأزمات.

ب‌- الشائعات الشخصية:

يرمي مروجوها إلى تحقيق مكاسب شخصية أو الحصول على مراكز مرموقة، ولذلك فإنها تعد من الشائعات الحالمة.

 

ج- الشائعات المحلية:

 تدور حول القضايا الخاصة ببلد أو مكان معين.

د- الشائعات الدولية:

تنتشر عند حدوث الأزمات الدولية وانتشار الأوبئة أو الكوارث الطبيعية، مثل انتشار الكوليرا أو مرض الإيدز.

كذلك تقسم الشائعات من حيث دلالتها الوظيفية إلى عدة أقسام (القحطاني، محمد، مرجع سابق) هي:

أ‌-       الشائعات المحايدة:

وهي التي تنتشر في ظروف القلق والاضطراب، وتنصب على حالة خاصة لا أهمية لها بالنسبة للجمهور ولا تنتشر وإنما تبقى في نطاق ضيق.

ب‌- الشائعات العدوانية:

هي شائعات مغرضة يطلقها البعض، وتعبّر عن الكراهية أو العنصرية، مثل تحقير أصحاب البشرة السوداء، وكراهية العرب بقصد التجريح.

ج- الشائعات الفكهة (أو المسلية):

وهي التي تهدف لإثارة الضحك فقط، مثل الشائعات الجنسية وشائعات الزواج.

إن تصنيف الشائعات حسب بواعث دوافعها أسهل في زمن الحرب منه في زمن السلم، ولكن هذه العناصر الأربعة (الخوف، الأمل، الكراهية، الوهمية) تنشط أكثر من اللازم في زمن الحرب. أما تركيب الدوافع التي تجعل الشائعة مستساغة من شخص فهي موضوع شخصي، ومحاولة معرفة لماذا يشيع شخص معين قصة معينة أمرٌ يحتاج إلى دراسة إكلينيكية لهذا الشخص، ونظراً لتشعب البواعث والدوافع وامتزاج بعضها ببعض في الشائعة الواحدة، فإن أي تصنيف سيكولوجي للشائعات يكون على الدوام قاصراً. 

 

5.   مصادر الإشاعة

من مصادر الإشاعة في المجتمع الإسلامي "المنافقون"، حيث قاموا بترويجُ إشاعات السُّوء، والإصغاء إليها، وقد ورد في ذلك قول الله عزَّ وجلَّ: {لَئِنْ لَمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا}[الأحزاب:60-61]. وكان ممَّا كانوا يُرجفون به ما ذَكَره الله عنهم في قوله عزَّ وجلَّ: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا}[الأحزاب:12]. ولهؤلاء المنافقين خلفاءُ في كلِّ عصر من عصور الإسلام، وفي كلِّ وطن من أوطانه، يُخذِّلون الناس عن أئمَّتهم ووُلاة أمرهم، ويُشيعون السُّوء عن برامجهم وخُططهم، وهذا مرض في القلوب، كما وصفه الله عزَّ وجلَّ، وعلى مَن يُصاب بهذا المرض أن يُعالِج نفْسَه قبل أن يُعالَج بأحكام الله. (حسين، محمد الخضر)

ومن أحد هذه الشائعات، ما صدر عنهم للإضرار بالمجتمع الإسلامي، قال الله تعالى: (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين) (التوبة:47) قال ابن كثير – رحمه الله – في تفسير هذه الآية:"لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا" أَيْ لِأَنَّهُمْ جُبَنَاء مَخْذُولُونَ "وَلَأَوْضَعُوا خِلَالكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَة" أَيْ وَلَأَسْرَعُوا السَّيْر وَالْمَشْي بَيْنكُمْ بِالنَّمِيمَةِ وَالْبَغْضَاء وَالْفِتْنَة "وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ" أَيْ مُطِيعُونَ لَهُمْ وَمُسْتَحْسِنُونَ لِحَدِيثِهِمْ وَكَلَامهمْ يَسْتَنْصِحُونَهُمْ وَإِنْ كَانُوا لَا يَعْلَمُونَ حَالهمْ فَيُؤَدِّي إِلَى وُقُوع شَرّ بَيْن الْمُؤْمِنِينَ وَفَسَاد كَبِير. (موقع الإسلام الدعوي والإرشادي).

وتصدر الشائعة من المؤمنين أيضاً، حيث اتهم بعض الصحابة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في القصة المشهورة بالإفك، حيث ظهر في هذه الحادثة فضل عائشة رضي الله عنها، فقد برأها الله من الإفك بقرآن يُتلى إلى يوم القيامة، يتعبد المسلمون بتلاوته، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُم} [النور: 11]. فكم ارتفعت منزلتها -رضي الله عنها- بذلك! وقد كانت تقول كما روى البخاري: "ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيًا يُتلى". ومن ثَمَّ فمَن اتهمها بعد ذلك بما برأها الله به، فهو مكذبٌ لله، ومن كذب الله فقد كفر. كما أكدت هذه المحنة على وجوب التثبت من الأقوال قبل نشرها، والتأكد من صحتها؛ حتى لا يقع الإنسان في الكذب والظلم، ويكون سببًا في نشر الإشاعات والفواحش، قال تعالى: {وَلَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16]. (موقع مقالات إسلام ويب)

ومن العلماء من قسّم مصادر الإشاعة إلى التقسيم التالي (عيسى، حنا، 2014م):

أ‌-       عدو واع:

العدو يدرس الظروف ويحلل نقاط الضعف ثم في وقت الأزمة ينشر الإشاعة المناسبة التي يحقق منها منفعته الخاصة، مثل الإشاعات التي تبثها إسرائيل عن البلاد العربية ويصدقها العالم.

ب‌- صديق جاهل:

قد يحاول الصديق وبحسن نية أن يدافع عن صديقه في موقف ما أو يظهره بمظهر جيد أمام الناس فيخبر أخرين عنه بأشياء ليست فيه وبأفعال لم يأتي بها ومن هذا الباب قد تأتي الإشاعة.

 

 

ج- صاحب مصلحة:

هو المستفيد من انتشار الإشاعة مثل بعض الشركات التي تحارب منافسيها بهذا السلاح غير الشريف أو الأخرى التي تطلق إشاعات إيجابية عن نفسها لتحقيق أفضل المبيعات.

د- شخص جبان:

الجبان ينشر الإشاعة لتبرير جبنه. وأول من يصدق إشاعته هم أناس جبناء مثله ثم بعد ذلك تنتقل الإشاعة منهم إلى الأسوياء لمحاولة إصابتهم بالجبن.

وغالبًا ما تكون الإشاعة من شخص أو إعلام أو من رسالة أو شريط مسجل أو الانترنت، فهذه الوسائل هي طرق تناقل الأخبار بين الناس. ولذا على ناقل الخبر أن يتثبت في كل ما يقال، وليحذر أن يبادر بالتصديق الفوري؛ فإن الأصل البراءة التامة، وتلك الإشاعة ناشئة طارئة، والأصل بقاء ما كان على ما كان حتى تقوم الأدلة الواضحة على ذلك الخبر.

 

6.   المراجع:

·       الحارثي، ساعد العرابي (2001م) الإسلام والشائعة، ورقة عمل مقدمة في ندوة أساليب مواجهة الشائعات، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، السعودية.

·       الحربي، هباس رجاء (2013م) الشائعات ودور وسائل الإعلام في عصر المعلومات، دار أسامة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، عمّان، الأردن.

·       حسين، محمد الخضر، مقال بعنوان: إشاعات السوء وموقف الإسلام منها، منشور في الموقع الإلكتروني للدرر السنية، على الرابط التالي: http://www.dorar.net/art/1574

·       روكيت، ميشال لويس (1994م) الشائعات، ترجمة وجيه أسعد، دار البشائر للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، دمشق، سوريا.

·       طنطاوي، محمد سيد (2001م) الإشاعات الكاذبة وكيف حاربها الإسلام، الطبعة الأولى، دار الشروق، القاهرة، مصر.

·       عبدالله، معتز سيد (1997م) الحرب النفسية والشائعات، دار غريب للنشر، القاهرة، مصر.

·       عيسى، حنا (2014م) الإشاعة أنواعها وعوامل انتشارها، مقال منشور في الرابط الإلكتروني التالي: http://www.pelest.com/news.php?id=3193

·       القحطاني، محمد دغش سعيد (1997م) الإشاعة وأثرها على المجتمع، دار طويق للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، الرياض، السعودية.

·       موقع الإسلام الدعوي والإرشادي، تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، في المملكة العربية السعودية، على الرابط التالي: http://quran.al-islam.com/Page.aspx?pageid=221&BookID=11&Page=1

·       موقع مقالات إسلام ويب، متوفر على الرابط التالي: http://articles.islamweb.net/media/index.php?page=article&lang=A&id=157672

·       نوفل، أحمد (1987م) الإشاعة، كلية الشريعة، الجامعة الأردنية، دار الفرقان للنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة، عمّان، الأردن.
--------------------------------------------------
(*) هذه ورقة علمية تم قبولها من اللجنة العلمية للمؤتمر الدولي للإعلام والإشاعة، في جامعة الملك خالد، 25-27 نوفمبر 2014م، وقد قدمتها في المؤتمر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق